- سوسيولوجيا المعرفة يمكن تقديم نبذة تاريخية مختصرة عن تطور علم اجتماع المعرفة ، وهي نبذة تعتمد بشكل أساسي على كتاب بيتر بيرك " التاريخ الاجتماعي للمعرفة
يذهب بيتر بيرك إلى أن هناك ثلاث مشاريع علمية مسئولة عن ظهور ونشأة علم اجتماع المعرفة ، وهي المشروع الفرنسي ، المشروع الألماني ، المشروع الأمريكي .
في فرنسا : حاول أوجست كونت تقديم تاريخ اجتماعي للمعرفة - تاريخ دون أسماء - ، وقام دوركايم وأتباعه خاصة مارسيل موس M. Mauss ، بدراسة الأصل الاجتماعي للمقولات الأولية أو ما يسمى بالتمثلات الجمعية Collective Representations كما توجد في زمان ومكان محدد . والجديد هنا – الخاص بسوسيولوجيا المعرفة – هو البحث المنظم لهذه المقولات الأولية ، تلك المقولات التي جمعها الرحالة والفلاسفة وعلقوا عليها في القرون الأولى ، والنتيجة العامة لهذا البحث المنظم ، أن هذه المقولات الجمعية يتم إنتاجها موجهة إلى العالم الاجتماعي ، وعليه فإن تصنيف هذه الأشياء المنتجة هو تصنيف للناس أنفسهم. وانطلاقا من فكرة التمثلات الجمعية ، قدم تلاميذ وأتباع دوركايم عددا من الدراسات الهامة ، تتضمن العصر الإغريقي ، والمقولات الأولية للصينيين ، وغيرها من الموضوعات ، وينضم لهذا الفريق من العلماء عددا من المؤرخين الذين اهتموا بدراسة العقليات الجمعية Collective Mentalities أمثال : مارك بلوتش M. Bloch ولوسيان فيبفر L. Febver . أما في الولايات المتحدة : فقد اهتم ثورستين فبلن Th. Vablen بسوسيولوجيا المعرفة بصفة عامة وكان مهتما بشكل خاص بالعلاقة بين المعرفة الخاصة بجماعات اجتماعية والمؤسسات التي تضم هذه الجماعات ، كما تعتبر إسهاماته في ذات الوقت من الإسهامات الأولية في سوسيولوجيا المعرفة العلمية . ففي عام 1906 قدم فبلن دراسة عن دور العلم في الحضارة الحديثة ، وفي 1919 درس تفوق المفكرين والعلماء اليهود في أوروبا الحديثة ولاحظ أن هذا التفوق بدأ في القرن التاسع عشر في الوقت الذي أصبح فيه هؤلاء اليهود أكثر تمثلا واستيعابا للثقافة المسيحية وأصبحوا في وضع خارج الثقافتين اليهودية والمسيحية ، وهذا الوضع هو الذي شجعهم على أن يصبحوا مجددين لأنهم لا يدينون بأي معتقدات راسخة تعوق تفكيرهم من داخل الثقافتين .
وفي ألمانيا : اهتم الألمان بسوسيولوجيا الأفكار فأحيانا يتبعون خطى ماركس وأحيانا يناقضون أفكاره ، وفي عام1904 قدم فيبر " الأخلاق البروتستانتية " ووضع نسق القيم الدينية في سياق اجتماعي ، كما أنه وضع مقدمة نظرية عن نتائجها الاقتصادية ، وتعتبر نظريته في البيروقراطية أيضا من الإسهامات الكلاسيكية في سوسيولوجيا المعرفة . وفي أواخر العشرينيات تأسس فرع علم اجتماع المعرفة ويرجع الفضل فيه إلى إسهامات ماكس شيلر ، وكارل مانهايم ، وقد ذهبا إلى أن الأفكار موجهة اجتماعيا وتتشكل برؤى العالم أو أساليب التفكير السائدة بين الأجيال أو الطبقات الاجتماعية .
والمشكلة الأساسية في علم اجتماع المعرفة ، أنه لم ينمو ويتطور مثل باقي فروع علم الاجتماع ، ولكنه مر بعد التأسيس مباشرة بمرحلة ركود كبيرة في الفترة مـن أواخر الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات ، ولا يذكر في هذه الفترة أي إسهام حقيقي في ميدان سوسيولوجيا المعرفة إلا إسهام زنانيكي الذي قدم " الدور الاجتماعي لإنسان المعرفة " عام 1940.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ظهرت إسهامات ميرتون وجيرفتش ، فقد حاول جيرفتش أن ينهض بسوسيولوجيا المعرفة مرة أخرى ، ولكنه توفي قبل أن يستطيع ذلك وخلف لنا الخطوط العامة لمشروعه في كتابه " الأطر الاجتماعية للمعرفة" عام 1966 .
واستطاع ميرتون أن يقدم مجموعة أعمال تدخل في إطار علم اجتماع المعرفة ، كما يرجع له الفضل في تأسيس علم اجتماع العلم . كما تعتبر إسهامات الأمريكي بيتر برجر والاسترالي توماس لوكمان أحد النقاط الهامة في سوسيولوجيا المعرفة ولكنها محاولات لم تستثمر ولم يتم تدعيمها بدراسات امبيريقية تتخذ من مدخل سوسيولوجيا المعرفة كأساس نظري لها .
أما الباعث الحقيقي لنهضة سوسيولوجيا المعرفة في الوقت الراهن فقد جاءها من خارج ميدان السوسيولوجيا عن طريق كلود ليفي ستروس ، وتوماس كون ، وفوكو. فقد أعاد ليفي ستروس الاهتمام مرة أخرى بالتصنيف في دراسته عن التوتمية والفكر الوحشي. وكان ميشيل فوكو على دراية جيدة بتاريخ العلم إلى جانب أنه فيلسوف ، واستطاع أن يبتكر عدة مصطلحات ليقدم نظريته ، واستخدمها لمناقشة العلاقة بين المعرفة والقوة على مختلف المستويات . وبفضل إسهامات هؤلاء العلماء ، تغير مفهوم سوسيولوجيا المعرفة وتغيرت اهتماماته ، وظهرت الحاجة إلى البحث في المعرفة العلمية .
ويمكن تلخيص عددا من الفوارق التي تميز المرحلة الجديدة لسوسيولوجيا المعرفة عن مرحلة التأسيس . وأهمها : تحول التأكيد والتركيز من عمليات اكتساب وانتقال المعرفة إلى التركيز على بنيتها ، وشروط إنتاجها ، أو حتى صناعتها ، بعد أن كانت سوسيولوجيا المعرفة في مرحلة التأسيس تولي اهتماما أكبر بالمبدعين .
كذلك كان التركيز في مرحلة التأسيس على المعرفة الرسمية ، وعلى المبدعين ، والآن اتسع نطاق الاهتمام ليشمل البحث في المعارف غير الرسمية ، أو معرفة الحس المشترك والحياة اليومية . ومن الناحية المنهجية ، أصبح نطاق البحث محدودا ، يحاول الكشف عن العلاقات والتفاعلات اليومية في مجالات المعرفة المختلفة ، وعلاقات القوة داخل جماعة المفكرين ، والدوائر والشبكات التي تضمهم. --A.M Badawy 10:55، 8 ديسمبر 2008 (UTC)
المرجع == Headline text ==
Peter Burke,(2000), A Social History of Knowledge from Gutenberg to Diderot, Uk., Polity Press
تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9"
التصنيف: علم الاجتماع
التصنيفان المخفيان: مقالات بحاجة للتنسيق | مقالات بحاجة للتنسيق منذ ديسمبر 2008
يذهب بيتر بيرك إلى أن هناك ثلاث مشاريع علمية مسئولة عن ظهور ونشأة علم اجتماع المعرفة ، وهي المشروع الفرنسي ، المشروع الألماني ، المشروع الأمريكي .
في فرنسا : حاول أوجست كونت تقديم تاريخ اجتماعي للمعرفة - تاريخ دون أسماء - ، وقام دوركايم وأتباعه خاصة مارسيل موس M. Mauss ، بدراسة الأصل الاجتماعي للمقولات الأولية أو ما يسمى بالتمثلات الجمعية Collective Representations كما توجد في زمان ومكان محدد . والجديد هنا – الخاص بسوسيولوجيا المعرفة – هو البحث المنظم لهذه المقولات الأولية ، تلك المقولات التي جمعها الرحالة والفلاسفة وعلقوا عليها في القرون الأولى ، والنتيجة العامة لهذا البحث المنظم ، أن هذه المقولات الجمعية يتم إنتاجها موجهة إلى العالم الاجتماعي ، وعليه فإن تصنيف هذه الأشياء المنتجة هو تصنيف للناس أنفسهم. وانطلاقا من فكرة التمثلات الجمعية ، قدم تلاميذ وأتباع دوركايم عددا من الدراسات الهامة ، تتضمن العصر الإغريقي ، والمقولات الأولية للصينيين ، وغيرها من الموضوعات ، وينضم لهذا الفريق من العلماء عددا من المؤرخين الذين اهتموا بدراسة العقليات الجمعية Collective Mentalities أمثال : مارك بلوتش M. Bloch ولوسيان فيبفر L. Febver . أما في الولايات المتحدة : فقد اهتم ثورستين فبلن Th. Vablen بسوسيولوجيا المعرفة بصفة عامة وكان مهتما بشكل خاص بالعلاقة بين المعرفة الخاصة بجماعات اجتماعية والمؤسسات التي تضم هذه الجماعات ، كما تعتبر إسهاماته في ذات الوقت من الإسهامات الأولية في سوسيولوجيا المعرفة العلمية . ففي عام 1906 قدم فبلن دراسة عن دور العلم في الحضارة الحديثة ، وفي 1919 درس تفوق المفكرين والعلماء اليهود في أوروبا الحديثة ولاحظ أن هذا التفوق بدأ في القرن التاسع عشر في الوقت الذي أصبح فيه هؤلاء اليهود أكثر تمثلا واستيعابا للثقافة المسيحية وأصبحوا في وضع خارج الثقافتين اليهودية والمسيحية ، وهذا الوضع هو الذي شجعهم على أن يصبحوا مجددين لأنهم لا يدينون بأي معتقدات راسخة تعوق تفكيرهم من داخل الثقافتين .
وفي ألمانيا : اهتم الألمان بسوسيولوجيا الأفكار فأحيانا يتبعون خطى ماركس وأحيانا يناقضون أفكاره ، وفي عام1904 قدم فيبر " الأخلاق البروتستانتية " ووضع نسق القيم الدينية في سياق اجتماعي ، كما أنه وضع مقدمة نظرية عن نتائجها الاقتصادية ، وتعتبر نظريته في البيروقراطية أيضا من الإسهامات الكلاسيكية في سوسيولوجيا المعرفة . وفي أواخر العشرينيات تأسس فرع علم اجتماع المعرفة ويرجع الفضل فيه إلى إسهامات ماكس شيلر ، وكارل مانهايم ، وقد ذهبا إلى أن الأفكار موجهة اجتماعيا وتتشكل برؤى العالم أو أساليب التفكير السائدة بين الأجيال أو الطبقات الاجتماعية .
والمشكلة الأساسية في علم اجتماع المعرفة ، أنه لم ينمو ويتطور مثل باقي فروع علم الاجتماع ، ولكنه مر بعد التأسيس مباشرة بمرحلة ركود كبيرة في الفترة مـن أواخر الثلاثينيات وحتى منتصف الستينيات ، ولا يذكر في هذه الفترة أي إسهام حقيقي في ميدان سوسيولوجيا المعرفة إلا إسهام زنانيكي الذي قدم " الدور الاجتماعي لإنسان المعرفة " عام 1940.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، ظهرت إسهامات ميرتون وجيرفتش ، فقد حاول جيرفتش أن ينهض بسوسيولوجيا المعرفة مرة أخرى ، ولكنه توفي قبل أن يستطيع ذلك وخلف لنا الخطوط العامة لمشروعه في كتابه " الأطر الاجتماعية للمعرفة" عام 1966 .
واستطاع ميرتون أن يقدم مجموعة أعمال تدخل في إطار علم اجتماع المعرفة ، كما يرجع له الفضل في تأسيس علم اجتماع العلم . كما تعتبر إسهامات الأمريكي بيتر برجر والاسترالي توماس لوكمان أحد النقاط الهامة في سوسيولوجيا المعرفة ولكنها محاولات لم تستثمر ولم يتم تدعيمها بدراسات امبيريقية تتخذ من مدخل سوسيولوجيا المعرفة كأساس نظري لها .
أما الباعث الحقيقي لنهضة سوسيولوجيا المعرفة في الوقت الراهن فقد جاءها من خارج ميدان السوسيولوجيا عن طريق كلود ليفي ستروس ، وتوماس كون ، وفوكو. فقد أعاد ليفي ستروس الاهتمام مرة أخرى بالتصنيف في دراسته عن التوتمية والفكر الوحشي. وكان ميشيل فوكو على دراية جيدة بتاريخ العلم إلى جانب أنه فيلسوف ، واستطاع أن يبتكر عدة مصطلحات ليقدم نظريته ، واستخدمها لمناقشة العلاقة بين المعرفة والقوة على مختلف المستويات . وبفضل إسهامات هؤلاء العلماء ، تغير مفهوم سوسيولوجيا المعرفة وتغيرت اهتماماته ، وظهرت الحاجة إلى البحث في المعرفة العلمية .
ويمكن تلخيص عددا من الفوارق التي تميز المرحلة الجديدة لسوسيولوجيا المعرفة عن مرحلة التأسيس . وأهمها : تحول التأكيد والتركيز من عمليات اكتساب وانتقال المعرفة إلى التركيز على بنيتها ، وشروط إنتاجها ، أو حتى صناعتها ، بعد أن كانت سوسيولوجيا المعرفة في مرحلة التأسيس تولي اهتماما أكبر بالمبدعين .
كذلك كان التركيز في مرحلة التأسيس على المعرفة الرسمية ، وعلى المبدعين ، والآن اتسع نطاق الاهتمام ليشمل البحث في المعارف غير الرسمية ، أو معرفة الحس المشترك والحياة اليومية . ومن الناحية المنهجية ، أصبح نطاق البحث محدودا ، يحاول الكشف عن العلاقات والتفاعلات اليومية في مجالات المعرفة المختلفة ، وعلاقات القوة داخل جماعة المفكرين ، والدوائر والشبكات التي تضمهم. --A.M Badawy 10:55، 8 ديسمبر 2008 (UTC)
المرجع == Headline text ==
Peter Burke,(2000), A Social History of Knowledge from Gutenberg to Diderot, Uk., Polity Press
تم الاسترجاع من "http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%B1%D9%81%D8%A9"
التصنيف: علم الاجتماع
التصنيفان المخفيان: مقالات بحاجة للتنسيق | مقالات بحاجة للتنسيق منذ ديسمبر 2008