في تاريخ الفلسفة عادة ما يُؤرخ لولادة نظرية المعرفة كعلم مستقل بكتاب الفيلسوف الانجليزي جون لوك، والموسوم بـ " مقال حول الفهم الإنساني " An Essay Concerning Human Understanding، وقد أتم كتابته في عام 1690 بعد أن قضى 19 سنة من أوقات فراغه لأجل ذلك. وتكمن أهمية هذا الكتاب -كما يتحدث هؤلاء- في أنه عالج مشكلات المعرفة بشكل منظم ومنهجي، فقد تناول تلك المشكلات من حيث أصولها وحدودها وماهيتها ودرجة اليقين فيها، وبهذا تم فصل مسائل علم المعرفة بشكل مستقل عن الفلسفة التي كانت مختلطة ومزوجة عند من سبقوه من الفلاسفة. وقد احتوى هذا الكتاب على 4 مقالات : الأولى، رفض ونقد نظرية الأفكار الفطرية. الثانية، تقسيم الصور الذهنية إلى مركبة وبسيطة ومنبعها التجريبي. الثالثة، علاقة اللغة بالوجود والفكر. الرابعة، المعرفة وقيمتها اليقينية. ثم توالت الكتابات حول نظرية المعرفة كل بحسب تفكيره ومنهجه ورأيه وتصوراته فكانت كتابات لبينتز وكانط ورسل وغيرهما.
هذه مقدمة حول أهم حدث بالنسبة لنظرية المعرفة في تاريخ الفكر الغربي، ورغم أن هذا الحدث كان مهما من حيث المنهج والتنظيم والترتيب، فإنه لم يكن بذاك المستوى من حيث المحتوى الذي تميزت به كتابات الفلاسفة المسلمين، فضلا عن أخطائه وعدم صحته. وكذلك، فإن فصل مباحث الفلسفة عن مباحث المعرفة لا يعد منهجيا في كثير من الأحيان، وخصوصا في تلك المسائل التي تترابط فيه الابستمولوجيا مع الانطولوجيا بشكل فعلي. وقد تكون الابستمولوجيا كمقدمة صغرى لفهم مباحث الوجود.
لقد دافع كثير من الباحثين الاسلامين عن نظرية أسلمة العلوم أي صباغة العلوم الغربية بالألوان الاسلامية ووضعها في سياق العلوم الاسلامية، وهذا أمر غير صحيح وغير قادر على تجاوز مسألة الهويات .. ثمة أمر آخر في قبال مشكلة الأسلمة وهو نظرية تأصيل هذه العلوم أي البحث عن أصولها في كتب التراث وتبيئها بشكل عصري، وهنا جدل بين أصحاب الرأيين لا داعي له الآن.
ما أود قوله هو أن قضية فصل المباحث المعرفية عن مباحث الفلسفة في شكل كتاب مستقل أو تقديم مباحث المعرفة على مباحث الفلسفة في بعض الكتب الدراسية هو ليس بالأمر الذي يؤثر على نظريات المعرفة عند الفلاسفة المسلمين ويقلل من نظرياتهم وإبدعاتهم المعرفية، وكثير من الباحثين حاول استلال نظريات الفلاسفة المسلمين واستخلاصها في بحوث او كتب مستقلة، وهو جهد يستحق الشكر والتقدير.لقد كانت قضايا المعرفة متلازمة مع قضايا الفلسفة في كتب الحكمة، وتتخذ منهجا متعاليا ومتصاعدا حتى تصل إلى ذروة الوجود من الاشتداد والقوة كما في الحكمة المتعالية عند صدر المتألهين.
وكما قال سماحة الشيخ أبو حسن ونوه إليه فإن مشكلات المعرفة متناثرة في كتب الحكمة والكلام والأصول واللغة، وأغلب الظن في أن الجدل الدائر بين المتكلمين كانت مشكلات ابستمولوجية في الدرجة الأولى، وأيضا الصراع المعرفي الدائر بين الأخباريين والأصوليين كان معرفيا بدرجة أولى. وكان أهم شيء لدى هؤلاء هو إثبات حجية أدواتهم المعرفة. ولا شك أن مسائل الابستمولجية في كتب الحكمة لم تكن مفهرسة ومعنونة ومستقلة، بل توجد في مباحث متفرقة كبحوث علم النفس والادراك والمعقولات والعلم والكلي والجزئي والوجود الذهني والعقل النظري والعملي والملاكات وغير ذلك .
إن من أهم مباحث نظرية المعرفة وأعمدتها البرهنة على حجية أدواتها ومحاكمة وسائلها ومصادرها، ولهذا فلا يهمنا الانشغال بنظريات المعرفة للآخرين وتمجيدها، بقدر تمحيص أدواتها وإثبات حجيتها، فقد تلتقي النظرية المعرفية الأسلامية مع الملحد في أهمية الحس والعقل كمصدرين من مصادر المعرفة، وقد تلتقي مع أصحاب الديانات والفرق الأخرى في طبيعة المعرفة وبعض آلياتها ..
وأخيرا، ليس مهما كلما ظهرت في الغرب مقولة معرفية أن يتم البحث عنها، ثم نقول بالاسبقية الاسلامية .. المهم أن يتم تظهير هذه المسائل من خلال مصادر ووسائل المعرفة التي تشكل رؤيتنا وتصوراتنا ضمن مثلث المعرفة والوجود : الله والعالم والإنسان.فلدينا ما يكفي من نظريات وتراث كبير جدا ولسنا بحاجة لتصور جون لوك وسارتر وهيدغر وراسل لمثلث المعرفة والوجود، نعم ثمة مشتركات ولقاءات لا سبيل إليها . إن كثير من الأسئلة المطروحة اليوم حول الصدق ومعيار الحقيقة، والقيم ونسبيتها، والحقيقة وتعددها، ومركزية الانسان أم الله، وعلاقة الانسان بالعالم والله وغيرها من الأسئلة لهي أسئلة معرفية لا يمكن عزلها وفصلها والنظر لها معزولة عن جانبها المعرفي .. يعني باختصار، إن نقل أي ثقافة او تبني لأي فكر يتم من خلال مروره بنظريتنا المعرفية، أي يمر من خلال قيمة المعرفة.
والله أعلم.
ونسألكم الدعاء
هذه مقدمة حول أهم حدث بالنسبة لنظرية المعرفة في تاريخ الفكر الغربي، ورغم أن هذا الحدث كان مهما من حيث المنهج والتنظيم والترتيب، فإنه لم يكن بذاك المستوى من حيث المحتوى الذي تميزت به كتابات الفلاسفة المسلمين، فضلا عن أخطائه وعدم صحته. وكذلك، فإن فصل مباحث الفلسفة عن مباحث المعرفة لا يعد منهجيا في كثير من الأحيان، وخصوصا في تلك المسائل التي تترابط فيه الابستمولوجيا مع الانطولوجيا بشكل فعلي. وقد تكون الابستمولوجيا كمقدمة صغرى لفهم مباحث الوجود.
لقد دافع كثير من الباحثين الاسلامين عن نظرية أسلمة العلوم أي صباغة العلوم الغربية بالألوان الاسلامية ووضعها في سياق العلوم الاسلامية، وهذا أمر غير صحيح وغير قادر على تجاوز مسألة الهويات .. ثمة أمر آخر في قبال مشكلة الأسلمة وهو نظرية تأصيل هذه العلوم أي البحث عن أصولها في كتب التراث وتبيئها بشكل عصري، وهنا جدل بين أصحاب الرأيين لا داعي له الآن.
ما أود قوله هو أن قضية فصل المباحث المعرفية عن مباحث الفلسفة في شكل كتاب مستقل أو تقديم مباحث المعرفة على مباحث الفلسفة في بعض الكتب الدراسية هو ليس بالأمر الذي يؤثر على نظريات المعرفة عند الفلاسفة المسلمين ويقلل من نظرياتهم وإبدعاتهم المعرفية، وكثير من الباحثين حاول استلال نظريات الفلاسفة المسلمين واستخلاصها في بحوث او كتب مستقلة، وهو جهد يستحق الشكر والتقدير.لقد كانت قضايا المعرفة متلازمة مع قضايا الفلسفة في كتب الحكمة، وتتخذ منهجا متعاليا ومتصاعدا حتى تصل إلى ذروة الوجود من الاشتداد والقوة كما في الحكمة المتعالية عند صدر المتألهين.
وكما قال سماحة الشيخ أبو حسن ونوه إليه فإن مشكلات المعرفة متناثرة في كتب الحكمة والكلام والأصول واللغة، وأغلب الظن في أن الجدل الدائر بين المتكلمين كانت مشكلات ابستمولوجية في الدرجة الأولى، وأيضا الصراع المعرفي الدائر بين الأخباريين والأصوليين كان معرفيا بدرجة أولى. وكان أهم شيء لدى هؤلاء هو إثبات حجية أدواتهم المعرفة. ولا شك أن مسائل الابستمولجية في كتب الحكمة لم تكن مفهرسة ومعنونة ومستقلة، بل توجد في مباحث متفرقة كبحوث علم النفس والادراك والمعقولات والعلم والكلي والجزئي والوجود الذهني والعقل النظري والعملي والملاكات وغير ذلك .
إن من أهم مباحث نظرية المعرفة وأعمدتها البرهنة على حجية أدواتها ومحاكمة وسائلها ومصادرها، ولهذا فلا يهمنا الانشغال بنظريات المعرفة للآخرين وتمجيدها، بقدر تمحيص أدواتها وإثبات حجيتها، فقد تلتقي النظرية المعرفية الأسلامية مع الملحد في أهمية الحس والعقل كمصدرين من مصادر المعرفة، وقد تلتقي مع أصحاب الديانات والفرق الأخرى في طبيعة المعرفة وبعض آلياتها ..
وأخيرا، ليس مهما كلما ظهرت في الغرب مقولة معرفية أن يتم البحث عنها، ثم نقول بالاسبقية الاسلامية .. المهم أن يتم تظهير هذه المسائل من خلال مصادر ووسائل المعرفة التي تشكل رؤيتنا وتصوراتنا ضمن مثلث المعرفة والوجود : الله والعالم والإنسان.فلدينا ما يكفي من نظريات وتراث كبير جدا ولسنا بحاجة لتصور جون لوك وسارتر وهيدغر وراسل لمثلث المعرفة والوجود، نعم ثمة مشتركات ولقاءات لا سبيل إليها . إن كثير من الأسئلة المطروحة اليوم حول الصدق ومعيار الحقيقة، والقيم ونسبيتها، والحقيقة وتعددها، ومركزية الانسان أم الله، وعلاقة الانسان بالعالم والله وغيرها من الأسئلة لهي أسئلة معرفية لا يمكن عزلها وفصلها والنظر لها معزولة عن جانبها المعرفي .. يعني باختصار، إن نقل أي ثقافة او تبني لأي فكر يتم من خلال مروره بنظريتنا المعرفية، أي يمر من خلال قيمة المعرفة.
والله أعلم.
ونسألكم الدعاء